Tuesday, July 6, 2010

قصة محندقة: جلسة إستحضار

جميع الأحداث و الأشخاص الموجودين في القصة المحندقة التالية يشوبهم شوائب عدة و لا يمكن التميز بين ما قد يكون واقعا أو من نسج الخيال


أغمضت عينيها تَسْتَحضِر أشباح الماضي باحثة عن سبب يدعوها لما هي مقدمة عليه. أحالة حب و مشروع زواج حكم عليهما بالإعدام يبدو كسبب كافٍ؟ أم هو العمل الروتيني الذي راوَحَ مكانه لسنوات عدة دون بارقة أمل في مستقبل واعد؟ أم هو الهروب لمجرد فكرة الهروب كان هو السبب؟


تحركت شفتاها متمتمة : "إهدئي! إهدئي! كل شيء سيكون على ما يرام.." .. أهٍ من هذه العادة التي لا تستطيع عنها فكاكاً! فغالبا ما تكلم نفسها كأنما لسانها يسوقه عقل منفصل عن الجسد.. يحنو عليها تارتاً و يقسو عليها مرات. إمتدت يسراها إلى ذراع المقعد بينما تحاول أناملها عابثة أن تجد طريقها إلى أحد الأزرار المثبتتة فيه. أخيرا! ها هو ذا! تضغطه ليتراجع ظهر المقعد للوراء و تتراخى هي معه في محاولة يائسة للحظة صفاء مع النفس


..ـ"ليته يعود بي أدراجي.." أهٍ لو يستطيع هذا الطيار أن يسمع ذاك الصراخ الذي يتردد بين جنبات صدرها مناديا بالإستسلام و بالتقهقر إلى حدود ما قبل وزن الحقائب و ذرف الدموع في خضم إحتفالية الوداع ... لوهلة تبدو تسعة عشر شهرا من التحضير لهذا اليوم ليسوا بذات أهمية ... تسعة عشر شهرا ما بين طلبات إلتحاق بالجامعات و تأمين للدعم المالي من هنا أو من هناك كانت ملأى بالعزيمة و الإصرارة .. ها هي ذا تسقط خانعة أمام لحظة ضعف و خوف من حياة قادمة هي ضرب من المجهول


ها هي معلقة بين أطراف السماء تبعد ألف الأميال عن أخر بقعة تعرف لها شكلا أو لأهلها لغة. لربما جلسة إستحضار الأشباح و ما قد تأتي به من أسباب يكون خير ما يمكنها القيام به الآن لعل خوفها يجد ما يقتات عليه. لطالما عُرفت بطموحها و قوة عزيمتها و شغفها بعملها و لكن أهم من ذلك كله هو عِنُدها و إصرارها على تحقيق ما أرادت و إرادتها بتغيير مسيرة حياتها مهما كلفها ذلك


تقطع تلك اللحظات صوت نسائي : " قهوة؟". تفتح عينيها و تنظر جانبا لتجد المضيفة و قد حملت ما قدّر لها ان تحمل من من إبريق معدني متوسط الحجم و صينية صغيرة. أطلق السؤال ذكريات تكاد تكون قبل دقائق لتأخذها لصوت حانٍ يسألها صباحا : " تشربي قهوة؟" ... " تفطري؟" .. "بتحبي أكويلك شي عشان تجهزي بسرعة" .. و كأنه شريط لا ينتهي! كيف إستطاعت أن تكسر قلب الأم و تبتعد عن نبع لا ينضب من العطاء و الحب؟ .. يقطع الإستجواب ذات الصوت مرة أخرى: "قهوة؟" .. تطأطأ برأسها موافقة و تتناول قدح القهوة العامر الذي لا يشبه في شيء قهوة "حبيبة القلب" .. "أه يا درويش كم أحن لقهوة أمي و ملمسها!".. ـ


ما أشبه هذه الساعات التي تعيشها بالبرزخ , معلقة بين وجهتين .. ليس لها إلا أن تراجع ما إقترفته و ما هي مقدمة عليه و لا يعلم به إلا بارئها. فهل ستكون حياة نعيم أم شقاء؟ شهورطويلة ستعيشها مغتربة في أرض لم تطأها قدميها من قبل, لا تعرف لها جغرفيا و لا لأهلها تعاملا و "الله أعلم بسِلْوِ بلدهم". . تبتغي عِلما لم تجده بين أهلها و طمعا في فرص ربما ستدر عليها مالا وفيرا يوما ما


ما هي إلا سويعات حتى تلمع إشارة ربط الأحزمة من البعيد مصحوبة بصوت قائد الطائرة معلنا إقتراب الوصول من الوجهة المقصودة , لتحط الطائرة رحالها خلال أطول نصف ساعة من أعوامها الستة و العشرين. من المعتاد أن تهرع لتكون من أوائل الذين يتركون الطائرة لكن أرجلها لا تقوى على إستدراجها هذه المرة فليس هناك من ينتظرها على الطرف الأخر من ذلك الحاجز المعدني الذي يفصلها عن العلم الخارجي


تقطع أخر منفذ للمرور بعد أن طبع على جواز السفر الذي أثخنته كثرة الأختام أخر ختم دخول .. لتقف برهة و تسترجع تلك العادة التي لا تعرف عنها فكاكا :"ها قد بدأنا! لا مجال للرجوع الآن!"......ـ

16 comments:

مياسي said...

هي سافرت عشان تهرب مش هيك؟
هيك فهمت انا معلش بس الساع 4 الصبح:)

حل رائع هو السفر

لي عوده وانا مصحصحه :)

LioneSS said...

It is really so hard feeling when you feel not alive where you are! and trying to run away from this uncomfortable situation but for the unknown!

It is tough but sometime we have to do it!

I felt the same when i returned back to UAE alone for work!

LUNAR. said...

رائع جدا
يعني بينت الرحلة انها 10 دقايق لما وصفتيها هيك , بس أنا متأكد إنها طوّلت كثيييييير كمان

Palestinian Princess said...

مياسي

ههههههه
أحلى شي لما الواحد يقرأ و لا يكتب شي و هو مسطل .. بصيروا الكلمتين أربعة
:D

هي مجموعة من أسباب متعددة كان الهرب إحداها و كان الطموح يقتسم جزءا لا بأس به من المعادلة

السفر بالتأكيد من أروع الأشياء التي يمكن القيام بها .. على الأقل بتهدي النفوس و بتصالح الناس على بعض

بإنتظار عودتك
:)

Palestinian Princess said...

Lioness

Run away sometimes it is the solution and sometimes it is not. but it is indeed a way to clarify you mind and soul from any hard feelings or confusion you may have :)

you just have to plan it right :)

when I was writing I remembered you :)

Palestinian Princess said...

LUNAR

شكرا لك على تعليقك الرافع للمعنويات
:)

هي قصة جدّ مختصرة و محاولة خجولة لكتابة قصة فعذرني على قلة خبرتي في هذا المجال

هي بالتأكيد طولت كتير كتييييير

Whisper said...

ممكن احنا اللي الحمد لله ربنا ما كتبلنا انّا نغترب ما بنحس بحقيقه المشاعر اللي بتكون عند المغتربين

من خلال المدونات تعرّفت على تفاصيل صغيره بحياتنا بتمر بدون اي معنى, اللي بالغربه بتذكروها وبتفاصيل تفاصيلها و بعبرو عنها بطريقه كتير حسّاسه ومؤثره, و هالشي خلاني اقدّرها اكتر

اللي كتبتيه تقريبا ملخص لمشاعر حكالنا عنها اخوي اول مرّه تغرب وراح عالسعوديه

الله يفرجها عالجميع و يرجع كل مغترب لاهله سالم

Whisper said...

عفكرة

كل ما اجي هون بطعمي سمكاتك انا, وبحاول اركز عالسمكه الزرقا بس هي هبوله و بتضلها بعيده :)

Palestinian Princess said...

Whisper

ههههه.. يسلمو أنك بتطعميهم لأني مستغربة أنهم لساتهم عايشين و انا مش سائلة فيهم
:p
LOL @ الزرقا الهبولة
ضحكتيني
:D

هلأ أنا طول عمري عايشة في الإمارات فمفهوم الغربة كان عند أبوي و إمي بس مش عندي .. ما حسيت بالغربة الفعلية إلا لما سافرت أدرس زي اللي حد كاببني على سطح القمر

فالغريب و الحلو في الموضوع إنه خلاني أقدر أكتب مرة تانية مع إني قعدت سنين و أنا زي القلم الناشف

الله يرجعلكم أخوكي بالسلامة و ما يحرمكم من بعض
:)

LioneSS said...

why did u remember me ×_O

يعني عشان انا مثال حيّ للغربة المرّه :D

Palestinian Princess said...

ولا مش عارفة شو أحكيلك يا ليو

فش حد بتغرب إلا بكون هربان من شي

اللي هربان من الفقر
واللي هربان من ضغط الأهل
و اللي هربان من مجتمع مش قادر يتصالح معاه

بس اللي هربان من حاله وين يروح؟
:)

مياسي said...

اللي هربان من حالو وين يروح!!
صعبتهيها كتير

هلأ رجعت قرأتها كمان مره
بجد كتير حلوه ومعبره خصوصا اني عايشه من 10 سنين شبه لحالي
وجد مفتقده حد يدللني:(

Palestinian Princess said...

مياسي

ما هي الدنيا نفسها صعبة مش سهلة

يسلمو كتير و أنا سعيدة إنك حبيتيها
:)

بس جد إلك 10 سنين لحالك؟ الله يكون في عونك
:(
ما أصعب هي حياه
ان شاء الله بتتغير الإيام بتدللي أخر دلال عن قريب
:)

مياسي said...

شكرا :)
انا قصدي انو امي من غير شر ما بشوفها غير مره بالسنه تقريبا
وعشان هيك مفتقده حد يدللني
مع انو الموجودين ما بيقصروا بس يعني
لا يخلو الأمر :)

بنجامين گير said...

أدعوكم إلى قراءة ملخص لمقالة علمية تشير إلى أن الدراسة في الخارج قد تجعل المرء أقل وطنية وأكثر دولية.‏

Palestinian Princess said...

شكرا بنجامين على المقالة و على مرورك

لكن اللي إكتشفته في رحلة دراستي في الخالرج إني أصبحت أكثر وطنية و إحساسة بمأساة بلدي و في نفس الوقت متقبلة و مقبلة على الحضارات و الثقافات الأخرى العالمية