Friday, July 30, 2010

رحلة سفر (الجزء الأول) : في طيات الماضي..1

المكان: مركز المتابعة – عمّان

الزمان : 30 حزيران 1990 – ظهرا

الأحداث: ـ

حرّك قدمه اليمنى للأمام و للخلف تارة و قدمه اليسرى تارة أخرى في محاولة بائسة لكسر جمود الوقوف الذي طال إنتظاره بين صفوف المراجعين. أطل برأسه جانبا ليتفقد دوره في فضول؛ فيتنهد و يعود معتدلا في وقفته : ـ"هانت! كلهم 12 واحد قدامي" ـ

يباغته صوت قوي فجأة من الخلف فيلتفت ليرى ضابطا على بعد سته أشخاص منه و قد أقفل الباب الرئيسي للمكتب موجها العدد المتبقي من المراجعين المنتظرين قائلا: "خلص إكتفينا اليوم". يا له من محظوظ! فلو أنه تأخر بضع دقائق في المجيء هذا الصباح لما كان من المحظيين المتبقين و ما كان ليتسنى له أخذ رقم يخوله لمواصلة سفره للضفة الغربية عن طريق جسر الملك حسين : "لكان راحت عليه لبعد العيد!".  ـ
إنها فترة الصيف و موسم الإجازات و الترحال كحال كل المغتربين .. لكن ليس له أو لزوجته و أطفاله وجهة غير الأردن و فلسطين اللتان إعتاد السفر إليهما.ـ

وصل دوره ليقف أمام الضابط الأردني المسؤول و الذي بعد تفحص دقيق لأوراقه يتناول بيساره إحدى البطاقات البيضاء و تهوي عليها بيمناه بالختم الرسمي الخاص ليدون:ـ

رقم الدور : 45

تاريخ اليوم: 30 حزيران 1990





المكان: موقف سيارات العبدلي – عمّان

الزمان : 6 تموز 1990 – الساعة 6 صباحا

الأحداث: ـ

ركب الجميع في السيارة المتوجهة إلى جسر الملك حسين في غور الأردن؛ و قد حمّلوا سقف السيارة أمتعتهم و تأبطوا أطفالهم و أوراق سفرهم الذي تجاوز عددها أي أوراق قد يحتاجها مسافر في هذا العالم. فجاوز السفر لا يكفي للعبور بل يجب أن يتعدى إلى "بطاقة متابعة الجسور" , " الهوية الإسرائيلية" بالإضافة إلى "تصريح المرور الإسرائيلي"!ـ

إحتضنتهم جبال عمان الشاهقة لتستقبلهم الجبال المنسابة المؤدية لوادي غور الأردن و تتركهم على أعتاب جسر الملك حسين الذي ضج بالمسافرين و أمتعتهم منذ ساعات الصباح الأولى.ـ

ما أن تطأ أقدام العائلة الأرض حتى يسارع الأب إلى مركز الجسر ليقف في صف جديد ليقدم جواز و وثائق سفره هو و إمرأته التي تركها مع أطفالهما و الحقائب في محاولة جادة لإيجاد بقعة صغيرة يقفون عليها لتقيهم قيظ الشمس الحارق وسط المكان الذي إفترشه الناس بين المقاعد الإسمنتية الزرقاء و الأرض التي إستحال لونها سواد من أكوام الذباب.ـ

حرارة الجو لا تحتمل و كذا الرائحة التي كانت تملئ المكان و تزكم الأنوف. مرت ساعة أو أكثر قبل أن يعود الأب بما هو أكثر ثقلا من الحرارة و الرائحة مجتمعة. "راح علينا الدور! و كان علي أخذ رقم جديد .. 150 !!" لينزل الرقم كالصاعقة على زوجته و تترجم كبرى أطفالها ملامح وجه أمها و ما يعنيه ذلك من ساعات طوال حارة عليهم إنتظارها حتى يتسنى لهم مغادرة المكان و التوجه إلى الجسر الإسرائيلي مرورا بنهر الأردن.ـ

مرت الوقت كالدهر علبهم.. يتخللها أصوات بكاء و عويل الأطفال و محاولات الأم المنهكة إبقاءهم تحت ناظريها بين أكوام اللحم البشرية المترامية على الأرض الإسمنتية الحارقة. كان صوت المكبر يدوي طارخا بأرقام المنتظرين واحدا تلو الأخر. و ما أن يُسمع رقمٌ حتى يسارع أحد الموجودين بالفرار من مكانه حاملا أمتعته كمن فاز بالرقم الرابح!  ـ
ـ"رقم 150"!!! يعلو الصوت مدويا من السماعة لتضيء وجوه الأطفال التي علتها ملامح تعبة كأنه العيد. ليحملوا حقائبهم في عجل و يتوجهوا إلى الحافلة. ـ




المكان: الحدود الأردنية الإسرائيلية – الجانب الأردني

الزمان : 6 تموز 1990 – الساعة 12:30 ظهرا

الأحداث: ـ

ًتتحرك الحافلة المعبأة بالرجال و النساء و الولدان ببطأ في درجة حرارة تزيد عن الأربعين درجة مئوية في الخارج و تضاهيها حرارة داخل الحافلة التي ضُغطت كأنما سحب منها الهواء و قارب من بداخلها درجة الإستواء لتتعالى أصوات الأطفال باكيا تستنجد الرحمة من هذا السعير .. لكن لا من مجيب.ـ

تتوقف الحافلة لدقائق ثم تتابع المسير لتتوقف مرات متعددة في إنتظار الدور للمرور إلى الجانب الإسرائيلي. ـ
و أخيرا حان الدور؛ و لكن ما أن تتخطى الحافلة الحدود حتى تتوقف من جديد و يدخلها مجند إسرائيلي مدجج بالسلاح آمرا جميع الذكور بالترجل من الحافلة مع إبقاء النسوة و الأطفال داخلها لحين تفتيش الحافلة و تفحص هويات الجميع. ـ

ما أن ينتهي الجنود حتى يأمروا الجميع بالعودة إلى الحافلة التي يمنع فيها جلوس الرجال في المقدمة و تنطلق احافلة على درب المعاناة من جديد. 
 دقائق طويلة تمر قبل ان يصلوا لمركز الجسر الإسرائيلي "داميان" لتبدأ مرحلة تفتيش جديدة موسعة.ـ


يتبع ....

Tuesday, July 27, 2010

سفر X-Files

موسم الصيف و الناس مسافرة و الصراحة في شغلات يعني جد بلاقي فش إلها تفسير !! ـ


ـ عند إقلاع الطائرة و هبوطها ليش لازم تضل الشبابيك مفتوحة؟


ـ ليش قبل ما تهبط الطائرة لازم يلموا الحرامات و السماعات زي اللي خايفين نسرقهم؟ و إذا خايفين نسرقهم ليش بلموش المخدات طيب؟ و إذا لأ ليش بستنوش لحد ما ينزلوا الناس من الطائرة و يلموهم؟ طيب مش أحسن يخلوا الناس ملتهيين بالتلفزيون و الإذاعة لحد ما تهبط الطائرة؟

ـ ليش أول ما تلمس عجلات الطائرة أرض المطار لازم الركاب يقيموا الحزامات زي كأنه الهم على قلبهم؟ مع إنه الطائرة لسة في مرحلة هبوط ؟


ـ أخيرا و ليس آخرا النقطة اللي ما إلها تفسير أبدا تقول إكس فيلز! لما يصير وقت إستلام الأمتعة و تطلع الشنط و تصير تمر على السير الجلدي المتحرك و بكون فيه 100 بني أدم واقفين يستنوا و 100 شنطة بتلف قدام الناس بس ولا حد لاقي شنطته!! يعني هذول شنط و أغراض مين؟

Monday, July 19, 2010

إكتشاف الذات

في عالم أنصَهِر فيه بين القيل و القال



ابحث عن بعد أخر أكتشف فيه الذات



بُعد لا أعرف له لغة أو دين



بُعد أختبر فيه نفسي و أتحداها



فلربما أكمل مسيرة البحث التي إبتدأتها منذ عامين



فها هنا لم يكن القهر هو سيد الموقف و لا كانت ندرة المال شماعة الأحداث.. ـ



ولكن هي المسلمات تنسيني حقيقة من أنا



و تنحيني جانبا عن الذات..ـ



الذات التي ضاعت و ضاقت ذرعا بين ما قيل و ما لم يقال



بين عموم أناس تشابهوا في الوجوه و أفئدتهم هواء



فهل من سبيل إلى ذات علمت بمستقبلها لكن تاهت بين مفترق من الطرقات؟

Wednesday, July 14, 2010

الإجازة الدولية في العلوم المطبخية

الأسبوع الماضي و لظروف إضطرارية كان علينا , أنا و أخواتي و أبي , العيش لفترة بدون أمي و بما أني أكبر خواتي فكان واجب علي تولي المهام الإدارية المنزلية بما فيها الطبيخ.  ـ

في شغلة كانت دايما والدتي تتقّل و تستصعب منها. كانت دايما تحكي الطبيخ كوم و إني أعرف شو أطبخلكم كوم تاني. الصراحة ما إكتشفت حقيقة اللي بتحكيه إلا لما مسكت زمام الأمور و شفت كيف كل واحد في البيت بعجبه أكلة و اللي بعجب أبوي مثلا ما بعجب أختي و بالعكس. كل واحد بذوق و كل واحد برأي و من الصعب إنك تجمع الكل على طعام واحد بدون تذمر مع محدودية المصادر الغذائية في بعض الأحيان. فعشان هيك مرة من المرات كانت النتيجة إني طبخت تلات طبخات في نفس اليوم! وحدة منهم كانت شوربة بتشبه شوربة كانت تطبخها ستّي (جدتي) الله يرحمها و بسموها شوربة "مسلمة" (بس بعرفش ليش). و صار يحكي للكل إني طبخت شوربة " شبة مسلمة" (حسسني إنه شوربتي عليها حد الرّدة) عشانها بتشبه شوربة ستّي. عاد هات فهمه إنه شوبتي شكل و شوربة إمه شكل تاني. ـ

المهم موضوع الطبيخ مش جديد علي.. بعرف أساسياته بس الفضل أغلبه يعود للغربة و حقيقة انه الواحد ما بتعلم إلا لما ينرص! أول ما وصلت هديك البلاد كان أول قرار إلي إنه ما رح أكل دجاج أو لحمة بما إنه الذبح مش حلال و شخصيا ما عندي فكرة وين ممكن ألاقي ملحمة مسلمة. و بالنتيجة صفّى كل أكلي خضرة و بقوليات و غالبا باستا. اللي ساكنين معاي تحملوني شهر و بعدين قالولي هو إنت مطولة؟! خلص مشيها .. نفسنا بجاج. أنا الصراحة كنت زيهم و قلت الله يسامحني. ما كنت أشتري لحم أحمر (خوف أبصر شو يطلع) و أكتفي بطبيخ الجاج. ـ

بذكر أول مرة حاولت أطبخ فيها أكل بيخنة (يعني خضرة و جاج بمرقة و جمبيها رز) النتيجة كانت غير مشرفة و أصداءها ما تزال تروى على مسامعي من حين لأخر للتذكير (شجبا و إدانة) بالتعذيب اللي إضطروا جماعة السكن ياكلوه. على حد قولهم (اللي شكله مجامله) الطعم يؤكل لكن المنظر كان أشبه بكائنات حية تسبح في مستنقع. من كتر ما كنت معدّله جبت أكبر طنجرة عندي؛ طفحتها مي و حطيت أكمن مكعب ماجي و بعدي ضفت الخضرة عليها!!  ـ

من يومها تعلمت من غلطي و صرت كل طبخة أضرب تلفون دولي على إمي أسألها تفاصيل كل طبخة و الحمد الله ربنا بيّض وجهي. حتى صارت الطبخات تنطلب بالإسم: المقلوبة (اللي كنت أسميلهم إياها
upside down )
 و المجدرة و طبيخ اللبن غير الفاصوليا و اللوبيا و صواني الخضرة و الجاج و حتى القطايف أيام رمضان عملته بإيدي. و لإني معدلة كتير و بعرفش كيف أنقر كوسا و باتنجان إستسهلت الفلفل الحلو و عملتلهم محشي فلفل حبوه لدرجة إنه وحدة من البنات الهنديات بعتتلي إيميل خصوصي بعد ما تركنا بريطانيا و روحت على الهند تسألني عن طريقة عملها هي و المقلوبة . على قول زميل دراسة إلي: ـ

"I am not sure if you are going to be a better designer, but I am sure you are going to be a better cook”

بس في شغلتين للأسف تسود وجهي فيهم؛ الملوخية قد ما حكيتلهم عنها و تغزلت في طعمها.. لما طبختها شكلي طبختها زيادة عن اللزوم و كانت ملوخية ناشفة مش طازة. فلما كشفوا عن وجه الطنجرة و شافو منظرها و سوادها شنكت و جوهم و أنا تسود وجهي و لولا الجوع و الحيا مني كان كبّوا صحونهم بالزباله. طبعا من هداك يوم ما جبتلهم سيرتها. ـ

الشغلة التانية كانت الحمص. لما كنت أروح على السوبرماركت.. كان يبقى هناك نوعين؛ واحد صناعة إسرائيلية و واحد صناعة
بريطانية محلية. فالبداية ما إنتبهت و شريت الإسرائيلي اللي ولاد الكلب عاملينه زاكي و مسمينه
"sabra"
 زي إسم مخيم صبرا اللي إرتكبوا فيه مجازرهم بحق الفلسطينين في لبنان. بعد أكمن مرة إشتريناه و كنت أنا أدمنت عليه و غيري جربه أول مرة في حياته و حبوه إكتشفنا الموضوع (اللي ما كان غيري سائل أو مهتم فيه) قررت إنه ممنوع حمص إسرائيلي. لكن للأسف النوع المحلي البريطاني كان طعمه ما بتاكل.  ـ

في يوم من ذات الأيام كنت كتير متدايقة و رحت على السوبر ماركت و لميت كل الخرابيش اللي ممكن يدبها الواحد في بطنه عشان يزيل شعور الكآبة و للأسف كان من بينها الحمص الإسرائيلي اللي أخذته و لما رجعت على سكن ضبيته جوا جوا في التلاجة زي اللي عامل عمله عشان ما حد يكتشف. بس ربنا كان كبير و إكتشفوا الحمص و زفوني زفة محترمة و على قولهم: ـ

" you sold your soul to the devil for humos!"

من يومها قررت أعمل الحمص في البيت و قلتلهم و لا يهمكم! عملته مرة و مرتين و تلاتة و كان كل مرة ينضب في الثلاجة لحد ما يعفن و ينكب. يعني حتى أنا ما إستحسنت طعمه. ـ

من أجمل الأوقات اللي كنا نقضيها هي جمعت الفطور. و كان في إيام أعملهم فطور فلسطيني (أو بالأحرى عربي شامي) فيه جبنة عكاوي مقلية و زيت و زعتر و مربى عاملته خالتي و كانوا يطيروا فيهم. جد أدمنوا الجبنة و الزعتر اللي كانوا لا يقدروا بثمن خاصة الجبنة اللي كانت نادرة و مش رخيصة. ـ

ما كان الأكل العربي هو الوحيد اللي بنطبخ. كان عنا نظام؛ كل واحد بطبخ في يوم و اللي ما بطبخ بتوزع عليهم الجلي (و طبعا في ناس ما بعرفوا يطبخوا و راحت عليهم كل يوم عليهم جلي). كنت أكل الأكل الهندي اللي كان ينطبخ و كان جيد بس سبحان الله ما في زي طبيخ و أكل بلادنا.  ـ

Monday, July 12, 2010

أسبوعان من الحب

أرخى رأسه على صدري .. إمتعض قليلا .. فرك وجهه بين جنبات صدري ثم عاد مستسلما بعد أن إرتاح إلى إيقاع دقات قلبي .. ها قد وجد مرجعا يسند إليه حياته البسيطة قبل أن يغفو.   ـ

رفع رأسه لتحدق بي عيناه السوداوين؛ كأنهما ثقبان أسودان يمتصانني و يجذباني لبعد لم أعرفه قبلا.. جاذبية قل ما أجدها في شخص غيره. أغمض عينيه و أشاح بوجهه عني مخفضا رأسه.  ـ
يدٌ تستند إلى أطراف كتفي و أخرى تعبث أناملها بذراعي.. تدغدغني .. تضحكني .. ثم تبكيني.. كيف لا و هو أروع من إحتضنت؟

للحقيقة فهو ليس أجمل من رأيت .. لكنه من أكثرهم براءةً .. مقاتل و مقاوم شرس لوسائل تعذيبنا .. لتنظيفنا و تطبيبنا .. لحمايتنا له.. لكنه لم يكن و لن يكون لي .. فحبه الأول ينتظره.. لكني أختلس اللحظات لأقضيها معه وحدنا.  ـ

يعود فيفرك وجهه إمتعاضا و ما يلبث أن يصرخ باكيا ؛ لتمتد يدا أختي و تختطفه مني .. فهو حبها و هي أمه و قد حان وقت إطعامه.  ـ

Tuesday, July 6, 2010

قصة محندقة: جلسة إستحضار

جميع الأحداث و الأشخاص الموجودين في القصة المحندقة التالية يشوبهم شوائب عدة و لا يمكن التميز بين ما قد يكون واقعا أو من نسج الخيال


أغمضت عينيها تَسْتَحضِر أشباح الماضي باحثة عن سبب يدعوها لما هي مقدمة عليه. أحالة حب و مشروع زواج حكم عليهما بالإعدام يبدو كسبب كافٍ؟ أم هو العمل الروتيني الذي راوَحَ مكانه لسنوات عدة دون بارقة أمل في مستقبل واعد؟ أم هو الهروب لمجرد فكرة الهروب كان هو السبب؟


تحركت شفتاها متمتمة : "إهدئي! إهدئي! كل شيء سيكون على ما يرام.." .. أهٍ من هذه العادة التي لا تستطيع عنها فكاكاً! فغالبا ما تكلم نفسها كأنما لسانها يسوقه عقل منفصل عن الجسد.. يحنو عليها تارتاً و يقسو عليها مرات. إمتدت يسراها إلى ذراع المقعد بينما تحاول أناملها عابثة أن تجد طريقها إلى أحد الأزرار المثبتتة فيه. أخيرا! ها هو ذا! تضغطه ليتراجع ظهر المقعد للوراء و تتراخى هي معه في محاولة يائسة للحظة صفاء مع النفس


..ـ"ليته يعود بي أدراجي.." أهٍ لو يستطيع هذا الطيار أن يسمع ذاك الصراخ الذي يتردد بين جنبات صدرها مناديا بالإستسلام و بالتقهقر إلى حدود ما قبل وزن الحقائب و ذرف الدموع في خضم إحتفالية الوداع ... لوهلة تبدو تسعة عشر شهرا من التحضير لهذا اليوم ليسوا بذات أهمية ... تسعة عشر شهرا ما بين طلبات إلتحاق بالجامعات و تأمين للدعم المالي من هنا أو من هناك كانت ملأى بالعزيمة و الإصرارة .. ها هي ذا تسقط خانعة أمام لحظة ضعف و خوف من حياة قادمة هي ضرب من المجهول


ها هي معلقة بين أطراف السماء تبعد ألف الأميال عن أخر بقعة تعرف لها شكلا أو لأهلها لغة. لربما جلسة إستحضار الأشباح و ما قد تأتي به من أسباب يكون خير ما يمكنها القيام به الآن لعل خوفها يجد ما يقتات عليه. لطالما عُرفت بطموحها و قوة عزيمتها و شغفها بعملها و لكن أهم من ذلك كله هو عِنُدها و إصرارها على تحقيق ما أرادت و إرادتها بتغيير مسيرة حياتها مهما كلفها ذلك


تقطع تلك اللحظات صوت نسائي : " قهوة؟". تفتح عينيها و تنظر جانبا لتجد المضيفة و قد حملت ما قدّر لها ان تحمل من من إبريق معدني متوسط الحجم و صينية صغيرة. أطلق السؤال ذكريات تكاد تكون قبل دقائق لتأخذها لصوت حانٍ يسألها صباحا : " تشربي قهوة؟" ... " تفطري؟" .. "بتحبي أكويلك شي عشان تجهزي بسرعة" .. و كأنه شريط لا ينتهي! كيف إستطاعت أن تكسر قلب الأم و تبتعد عن نبع لا ينضب من العطاء و الحب؟ .. يقطع الإستجواب ذات الصوت مرة أخرى: "قهوة؟" .. تطأطأ برأسها موافقة و تتناول قدح القهوة العامر الذي لا يشبه في شيء قهوة "حبيبة القلب" .. "أه يا درويش كم أحن لقهوة أمي و ملمسها!".. ـ


ما أشبه هذه الساعات التي تعيشها بالبرزخ , معلقة بين وجهتين .. ليس لها إلا أن تراجع ما إقترفته و ما هي مقدمة عليه و لا يعلم به إلا بارئها. فهل ستكون حياة نعيم أم شقاء؟ شهورطويلة ستعيشها مغتربة في أرض لم تطأها قدميها من قبل, لا تعرف لها جغرفيا و لا لأهلها تعاملا و "الله أعلم بسِلْوِ بلدهم". . تبتغي عِلما لم تجده بين أهلها و طمعا في فرص ربما ستدر عليها مالا وفيرا يوما ما


ما هي إلا سويعات حتى تلمع إشارة ربط الأحزمة من البعيد مصحوبة بصوت قائد الطائرة معلنا إقتراب الوصول من الوجهة المقصودة , لتحط الطائرة رحالها خلال أطول نصف ساعة من أعوامها الستة و العشرين. من المعتاد أن تهرع لتكون من أوائل الذين يتركون الطائرة لكن أرجلها لا تقوى على إستدراجها هذه المرة فليس هناك من ينتظرها على الطرف الأخر من ذلك الحاجز المعدني الذي يفصلها عن العلم الخارجي


تقطع أخر منفذ للمرور بعد أن طبع على جواز السفر الذي أثخنته كثرة الأختام أخر ختم دخول .. لتقف برهة و تسترجع تلك العادة التي لا تعرف عنها فكاكا :"ها قد بدأنا! لا مجال للرجوع الآن!"......ـ

Saturday, July 3, 2010

"أحمر طويلة مصنع بيضة" ..

يبدو العنوان و للوهلة الأولى إنه يا أنا مهلوسة أو بخرّف و مش عارفة وين ربي حاتطني ... بس بحب أعرفكم بالتسمية الجديدة للباذنجان مش مصدقين؟ بتخوت يعني؟ لا و الله! هي مما يمكننا تسميته بالمضحك الممبكي أو بشر البلية ما يضحك! أه والله بليه و بلوة إبتلت بها لغتنا العربية على يد مواقع الترجمة على النت و حبايبنا من الشعب الهندي

قبل شهور وصلتنا دعاية لمنتجات تباع في سوبر ماركت و تقوم بعرض المنتوجات و أسعارها لإستقطاب الناس .. فبدل ما تهتم بأسعار المعروضات تلطمك أسماء المعروضات وترجمتها المبدعة من الإنجليزية للعربية

فسبحانه! أضحى الباذنجان هو أحمر طويلة مصنع بيضة!! و دا كان من إيه ولا مؤخذة؟


Butter Cookies = ملفات تعريف الإرتباط الزبد
مش عارفة هذا بتاكل و لا بتاخد كبسولات بعد النوم




Folding Mat = تجليد في الإنتخابات

يا لطيف! شكله مدعوم من بعض الأوساط السياسية


أترككم مع المزيد! إنجوووووووي

إنقر الصورة للتكبير




Thursday, July 1, 2010

و ازدادوا مُحْرَماً

بشرى سارة أزفها لكل دعاة الحفاظ على قدسية و شرف المرأة.. لقد إزداد عدد محارمي محرماً! ربما ليس مؤهلا لوظيفة محرم بعد و لكن على إعتبار ما سيكون في غضون الخمسة عشر سنة المقبلة إن شاء الله

منذ أن وُلِدت ترعرت في بيئة قليلا ما ترى المذكّر بين المعارف. فأبي هو الرجل الوحيد بين نساء البيت.. هذا البيت اللذي كان يبعد تسعمئة كيلومتر مسافةً عن أقرب قريب لعائلتنا في مكان لم يكن من المسموح لنا ان نرى منه ما هو أبعد من باب المنزل من دون مرافق و الذي غالبا ما يجب أن يكون مذكراً و من لنا غير والدي محرماً!... و بطبيعة الحال فمعارفنا مقتصرة على الإناث كما يساق الحال على مدراسنا و مدرساتنا

كان من الطبيعي أن أن أُكَوِن فكرة عدائية تجاه الذكور بوصفهم عديمي الإحساس.. لا يعرفون معنا للحب و الشفقة و ان الإناث هن المخلوقات الوحيدة القادرة على أن تحب و أن لا تخون أبدا.. إحتجت لسنين طويلة لأصحح معلوماتي تجاه الجنس الأخر .. إعذروني فلم أعرف الكثير سواء كانوا محارماً أم غير محارم

لثماني عشرة سنة من عمري لم يكن الأمر مزعجا فماذا قد تحتاج الفتاة الصغيرة و المراهقة في الدنيا غير أبيها .. بطلها الأول و الأخير! و لكن لأهمية التعليم في عائلتنا شأننا كشأن كل العائلات الفلسطينية (اللي كل راسمالنا هو التعليم) كان علي أن أسافر أنا و أخواتي لنكمل دراستنا الجامعية .. لخمس سنين متعاقبة إستطعنا بقدرة إعجازية السفر لوحدنا بلا مرافق ذكر بين دول مختلفة ليس فقط لنعبر الحدود الإسرائيلية الفلسطينية - الأردنية برا و من ثم الأردنية - الإماراتية جوا بل أيضا الحدود الفلسطينية - الإسرائيلية الداخلية سيرا على الأقدام و عبر المواصلات و حتى ركوبا على العربات و الحمير إبان الإجتياحات الإسرائيلية للمدن الفلسطينية. كل ذلك بدون محرم .. تخيلوا! فقد كان من الصعب إذا لم يكن من المستحيل أن يرافقنا والدي جيئة و رواحا. إستطعنا كفتيات لا نتجاوز العشرين عاما الإعتماد على أنفسنا. لا أفهم إلى الآن سبب عدم موافقة أزواج أخواتي لتنقلهن في أرجاء المدينة لقضاء حاجياتهن أو لزيارتنا و قد قطعن حدودا و مئات الأميال من دون مساعدة

مرت الأيام و لاح في الأفق حلم الدراسات العليا .. الحمد لله أن لي والداً يضع ثقته فيّ , كما يؤمن بأهمية التعليم فبارك سفري لإنهاء دراستي خارج حدود الوطن العربي. لكن بما أننا نعيش في مجتمع يستحي من المرأة و يظن الظنون بكل فتاة قد تسول لها نفسها كسر القيود و ملاحقة أحلامها خارج إطار المجتمع المحافظ (و إن كان "بعض الظن إثم" و "قذف المحصانات" لا مكان له هنا حتى بين المتدينين) فكان واجبا أن تبقى خطيئتي (في نظر الكثيرين) على مستوى عال من السرية و الكتمان لكل من يحيطون بنا من معارف خوفا من القيل و القال. و لربما كان الأحرى بي الإعلان عن وظيفة "محرم" شاغرة ليخفف شيئا من قسوة الكلام اللاذع من بعض النسوة هنا و هناك

لطالما كان مجتمعنا قاسيا و غير متفهم للواقع الذي تواجهه النساء كما إكتشفت للأسف الشديد بعد التجربة أن أكبر عدو للمرأة هي المرأة إلا من رحم ربي! ها قد خرج للحياة أول طفل لأختي الحبيبة قبل يومين ليصبح لي (على ما قد سيكون يوما ما) محرما لي إذا ربنا أعطانا طولت العمر .. كما لم يأذن الله لي بالزواج بعد و لذلك لم أرزق بأولاد ليكونوا لي محارما و بطبيعة الحال لن يعيش ليبقى أبي (أطال الله في عمره) لبقية حياتي .. فيا أهل الشرف (الذي إختصر بنون النسوة) هل لي بستثناء لأكمل حياتي بشكل طبيعي؟